* فراشة الربيع * مشرفة على مجموعة براعم الإيمان
عدد المساهمات : 153 نقاطي : 10318 المستوى : 12 تاريخ التسجيل : 01/08/2010 العمر : 41 الموقع : مكه المكرمه _ KSA
| موضوع: الفرق بين محبة الله ومحبة العباد الأحد مايو 15, 2011 5:03 am | |
| أصل المحبة المحمودة التي أمر الله تعالى بها وخلق خلقه لأجلها: هي محبته وحده لا شريك له المتصمنة لعبادته دون عبادة ما سواه فإن العبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذلع ولا يصلح ذلك إلا لله عز و جل وحده ولما كانت المحبة جنسا تحته أنواع متفاوتة في القدر والوصف كان أغلب ما يذكر فيها في حق الله تعالى: ما يختص به ويليق به كالعبادة والإنابة والإخبات ولهذا لا يذكر فيها لفظ العشق والغرام والصبابة والشغف والهوى وقد يذكر لفظ المحبة كقوله : يحبهم ويحبونه وقوله: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وقوله (والذين آمنوا أشد حبا لله) ومدار كتب الله تعالى المنزلة من أولها إلى آخرها على الأمر بتلك المحبة ولوازمها والنهي عن محبة ما يضادها وملازمتها وضرب الأمثال والمقاييس لأهل المحبتين وذكر قصصهم ومآلهم ومنازلهم وثوابهم وعقابهم ولا يجد حلاوة الإيمان بل لا يذوق طعمه إلا من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما
وأصل العبادة وتمامها وكمالها هو المحبة وإفراد الرب سبحانه بها فلا يشرك العبد به فيها غيره
فإذا عرف أن كل حركة فأصلها الحب والإرادة فلا بد من محبوب مراد لنفسه لا يطلب ويحب لغيره إذ كان كل محبوب يحب لغيره لزم الدور او التسلسل في العلل والغايات وهو باطل باتفاق العقلاء والشيء قد يحب من وجه دون وجه وليس شيء يحب لذاته من كل وجه إلا الله عز و جل وحده الذي لا تصلح الألوهية إلا له
يجعلون الحب مراتب أوله العلاقة ثم الصبابة ثم الغرام ثم العشق وآخر ذلك التتيم وهو التعبد للمعشوق فيصير العاشق عبدا لمعشوقه والله سبحانه إنما حكى عشق الصور في القرآن عن المشركين فحكاه عن امرأة العزيز وكانت مشركة على دين زوجها وكانوا مشركين وحكاه عن اللوطية وكانوا مشركين فقال تعالى في قصتهم: (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) وأخبر سبحانه أنه يصرفه عن أهل الإخلاص فقال: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) وقال عن عدوه إبليس أنه قال : (فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) وقال تعالى: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) والغاوي ضد الراشد والعشق المحرم من أعظم الغي ولهذا كان أتباع الشعراء أهل السماع الشعري غاوين كما سماهم الله تعالى بذلك في قوله: (والشعراء يتبعهم الغاوون) فالغاوون يتبعون الشعراء وأصحاب السماع الشعري الشيطاني وهؤلاء لا ينفكون عن طلب وصال أو سؤال نوال
وأما تقسيم المحبة والإرادة إلى نافعة وضارة فهو باعتبار متعلقها ومحبوبها ومرادها فإن كان المحبوب المراد هو الذي لا ينبغي أن يحب لذاته ويراد لذاته إلا هو وهو المحبوب الأعلى الذي لا صلاح للعبد ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا بأن يكون هو وحده محبوبه ومراده وغاية مطلوبه كانت محبته نافعة له وإن كان محبوبه ومراده ونهاية مطلوبه غيره كانت محبته ضارة له وعذابا وشقاء فالمحبة النافعة هي التي تجلب لصاحبها ما ينفعه من السعادة والنعيم والمحبة الضارة هي التي تجلب لصاحبها ما يضره من الشقاء والألم والعناء
فمن المحبة النافعة: محبة الزوجة وما ملكت يمين الرجل فإنها معينة على ما شرع الله سبحانه له من النكاح وملك اليمين من إعفاف الرجل نفسه وأهله فلا تطمح نفسه إلى سواها من الحرام ويعفها فلا تطمح نفسها إلى غيره وكلما كانت المحبة بين الزوجين أتم وأقوى كان هذا المقصود أتم وأكمل قال تعالى: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) وقال: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة). وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل من أحب الناس إليك فقال : عائشة ولهذا كان مسروق رحمه الله يقول إذا حدث عنها : حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبرأة من فوق سبع سموات وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة فلا عيب على الرجل في محبته لأهله وعشقه لها إلا إذا شغله ذلك عن محبة ما هو أنفع له من محبة الله ورسوله وزاحم حبه وحب رسوله فإن كل محبة زاحمت محبة الله ورسوله بحيث تضعفها وتنقصها فهي مذمومة وإن أعانت على محبة الله ورسوله وكانت من أسباب قوتها فهي محمودة ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الشراب البارد الحلو ويحب الحلواء والعسل ويحب الخيل وكان أحب الثياب إليه القميص وكان يحب الدباء فهذه المحبة لا تزاحم محبة الله بل قد تجمع الهم والقلب على التفرغ لمحبة الله فهذه محبة طبيعية تتبع نية صاحبها وقصده بفعل ما يحبه فإن نوى به القوة على أمر الله تعالى وطاعته كانت قربة وإن فعل ذلك بحكم الطبع والميل المجرد لم يثب ولم يعاقب وإن فاته درجة من فعله متقربا به إلى الله فالمحبة النافعة ثلاثة أنواع : محبة الله ومحبة في الله ومحبة ما يعين على طاعة الله تعالى واجتناب معصيته والمحبة الضارة ثلاثة أنواع : المحبة مع الله ومحبة ما يبغضه الله تعالى ومحبة ما تقطع محبته عن محبة الله تعالى أو تنقصها فهذه ستة أنواع عليها مدار محاب الخلق فمحبة الله عز و جل أصل المحاب المحمودة وأصل الإيمان والتوحيد والنوعان الآخران تبع لها والمحبة مع الله أصل الشرك والمحاب المذمومة والنوعان الآخران تبع لها ومحبة الصور المحرمة وعشقها من موجبات الشرك وكلما كان العبد أقرب إلى الشرك وأبعد من الإخلاص كانت محبته بعشق الصور أشد وكلما كان أكثر إخلاصا وأشد توحيدا كان أبعد من عشق الصور ولهذا أصاب امرأة العزيز ما أصابها من العشق لشركها ونجا منه يوسف الصديق عليه السلام بإخلاصه قال تعالى: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) فالسوء : العشق، والفحشاء : الزنا فالمخلص قد خلص حبه لله فخلصه الله من فتنة عشق الصور والمشرك قلبه متعلق بغير الله لم يخلص توحيده وحبه لله عز وجل
ابن القيم - إغاثة اللهفان بتصرف | |
|